Sunday 14 January 2018

تثبيت أكتاف



تُرى ما الذي حدث يوم أصبحت فيه النساء بأكتافٍ عريضة؟

لا نستطيع القول بأن ذلك قد حدث بشكلٍ مفاجيء، بل بات يتسلل على مدار سنواتٍ طويلة، فبعض الأمراض لا تُستشعر وطأتها أو تكتمل صورتها إلا بعد هيمنتها على سائر الأعضاء، وعادةً ما يكون الوقت متأخراً لتدارك الأمر .ربما كان هذا أشبه بتحولات فيروس الإنفلونزا الصغيرة التدريجية والتي تؤول إلى تحولات كبرى تفقده شكله القديم، "تحتار" الأطبا" و"الأمصال" فيه، كمن قام بـعمل(نيو لوك) وأصبح من الصعب التعرف عليه.  لن نقدر بالطبع على معرفة أول امرأة بدأت عندها تلك الظاهرة الغريبة لندرس تطورها وتحولها من كائن أنثوي رقيق بكتفين مستديرتين تنتهي إلى كل واحدةٍ منهما  عظمة ترقوة رشيقة يسمونها عظمة الجَمال، إلى ذلك الشكل
.الصادم المغاير الشبيه بحاجب (الجبن النستو)

نفكّر الآن ونتأمل كيف حدث ذلك؟ هل كان هناك تأثير للأكتاف الاصطناعية أو (الأوبليت) والتي باتت موضة سائدة في الثمانينيات من القرن الماضي؟ وكأنها (حَواية) للكتف، تشبه حواية الرأس التي تحمل فوقها الست من دُول القدور والأواني والزِلع، هل كان ذلك تمهيدًا ناعمًا مبطّنًا بالاسفنج لكي تستعد الحُلوة لعملية التطوّر التي لم تكن في الحسبان؟

النساء ينظرن إلى أنفسهن ذاهلات، غير قادرات على التعبير بالكلام، لقد مضت سنوات قبل أن تلاحظ أيُّ منهن استطالة كاهلها بهذا الشكل المخيف، لحمه (جالس)، تتحسه بأناملها الخشنة فلا تقدر على الغوص فيه، الحكاية ليست كبراً، فكلهن قد مررن بالعجَز في مرحلةٍ سالفة لهذا التطور، بل يؤكد الجميع أنه حدث بالفعل وبشكلٍ أسرع من ذي قبل..لقد تجاوزن التجاعيد وارتعاش اليدين والضغط والسكرى ومتاعب القلب، وآهٍ من متاعب القلب وما فعلته بهن ،مرّت سنوات عليهن كانوا فيها مثل لحم الدجاج "العجوز" إذا سُلِق مرّات حتى تمام النضوج، فيخرج بنسيجٍ يتفكك بين الأصابع،  فقدَن مع الوقت ميزة اللحم الطريّ  . ولا يسألنّ أحد من أين أتى هذا التعبير "الستّاتي المتستّت": (اللحم  الجالِس) الذي لا يعبر عن معناه

شردت كل واحدة منهن مع ذاتها، تستحضر حوادث الكَتِف التي مرّت بها، ومن المثير للسخرية أن الكتف هي التي استطالت بينما العين بصيرة واليد على حالها قصيرة، على الأقل بيدٍ طويلة كان من الممكن أن تلمس أحلامها البعيدة، أحلامها التي لا تخصها في الأغلب، وتحيا على أمل أن تفرَغ منها إلى غيرها!  ولكن كيف حدث هذا وبعد أن أُكِلت تلك الكتف مئات المرّات؟  جديرٌ بالذكر،كلهم عرف من أين تؤكل الكتف..الآباء والإخوة الذين حمّلوها منذ الصغر أوزاراً لم تفهمها يوماً، كلما كسروا لها ضلعاً نبت لها أربع وعشرون في الكتف. الأمهات اللاتي أورثنهن تلك الطفرة وما يستجد من طفرات الله وحده أعلم بها..يمر بخاطرهن الذكور الذين لم يستخدموا أكتافهم العريضة بالفطرة أبداً، ربما حدث لهم أيضاً خللٌ ما في تكوينهم الـجيني حيث الأكتاف في هشاشة الكيك الإسفنجية برغم محاولاتهم المضنية للحصول على (فورما) في الصالات الرياضية، ولكنها لا تقوى على حمل مسئولية بيت وزوجة وأولاد، حيث منهم من تعدّى الثلاثين من عمره ومازال في الحضّانة الزجاجية يقدّم إليه ما يحتاجه ولا يطلب منه سوى البقاء حيًّا و "كول" و"فريش".

في الشارع والباص والميكروباص والعمل كانت عملية "تثبيت الأكتاف" تتم لهن كلَّ يوم، التحرش اللفظي والجسدي والوظيفي، إعاقة كل مقدرة لديها لكي تبقَى وترتقي، فكان رد فعلها الطبيعي والمنطقي هو هذه الطفرة بحسب ما يراه داروين، فإن الأفراد الذين يمتلكون صفات تمكنهم من التكيف مع البيئة الخارجية لديهم معدلات أعلى للبقاء على قيد الحياة من الأفراد الذين لا يمتلكون هذه الصفات.

 كل المحاولات لتفسير ما حدث لهن لم تكن شافية، وشرعن في إيجاد حلول لتلك الظاهرة الأولى من نوعها، هل تكف الواحدة منهن عن جحيم "الدايت" وتترك جسدها للامتلاء والتضخم وتسلمه لجراحات التكبير والنفخ لكي يتناسب مع حجم كتفيها الجديد؟  أم تُراهم اخترعوا عمليات شفط أكتاف؟  وفرد للحظ المجعّد مثلما يفرد الشعر بالبروتين؟ أم تستعين بحواية للكتف لتستمر في حمل ما لا يحمله أحدٌ سواها أو عنها وتكبّر دماغها وتنفّض ودانها لما سوف يقال عن النساء اللاتي قد فقدن أنوثتهن بين عشيةٍ وضحاها؟






No comments:

Post a Comment